التسميات

الخميس، 19 أغسطس 2010

" رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير "ٌ


" رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير "ٌ

قال الطبري في قوله : "فقال رب إني لما أنزلت إلي من خيرفقير " محتاج وذكر أن نبي الله موسى عليه السلام قال هذا القول وهو بجهد شديد وعرض ذلك للمرأتين تعريضا لهما لعلهما أن تطعماه مما به من شدة الجوع .
وقيل : إن الخير الذي قال نبي الله صلى الله عليه و سلم " إني لما أنزلت إلي من خيرفقير " محتاج إنما عنى به : شبعة من طعام
قال ابن كثير عند قوله : "ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ "
قال ابن عباس: سار موسى من مصر إلى مدين، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيًا فما وصل مَدْيَن حتى سقطت نعل قدمه. وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة
وقال : فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل. فإنه يكون قد توسل إلى المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله، وعرض، بل صرح، بشدة حالته وضرورته وفقره ومسكنته، فهذا المقتضى منه وأوصاف المسؤول مقتضى منه، فاجتمع المقتضى من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء، فكان أبلغ وألطف موقعا وأتم معرفة وعبودية، وأنت ترى في الشاهد ولله المثل الأعلى أن الرجل إذا توسل إلى من يريد معروفه بكرمه وجوده وبره، وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته، كان أعطف لقلب المسؤول وأقرب إلى قضاء حاجته من أن يقول له ابتداء أعطني كذا وكذا، فإذا عرف هذا فتأمل قول موسى، عليه السلام: "ب إني لما أنزلت إلي من خيرفقير " وقول ذي النون في دعائه: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقول أبينا آدم: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ قال يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله، والتوسل إلى ربه بفضله وجوده، وأنه المتفرد بغفران الذنوب ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معا فهكذا آداب الدعاء والعبودية .
يقول سيد قطب في ظلال القرآن :
" ثم تولى إلى الظل "
مما يشير إلى أن الأوان كان أوان قيظ وحر ، وأن السفرة كانت في ذلك القيظ والحر .
" فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " .
إنه يأوي إلى الظل المادي البليل بجسمه ، ويأوى إلى الظل العريض الممدود . ظل الله الكريم المنان . بروحه وقلبه : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " .
رب إني في الهاجرة . رب إني فقير . رب إني وحيد . رب إني ضعيف . رب إني إلى فضلك ومنك وكرمك فقير محووج .
ونسمع من خلال التعبير رفرفة هذا القلب والتجاءه إلى الحمى الآمن ، والركن الركين ، والظل الظليل . نسمع المناجاة القريبة والهمس الموحي ، والانعطاف الرفيق ، والاتصال العميق : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ".
قال الشوكاني في الفتح عند قوله :
" ثم " لما فرغ من السقي لهما " تولى إِلَى الظل " أي : انصرف إليه ، فجلس فيه .
قيل : كان هذا الظل ظل سمرة هنالك .
ثم قال لما أصابه من الجهد ، والتعب منادياً لربه " إِنّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ " أيّ خير كان .
" فَقِيرٌ " أي محتاج إلى ذلك . قيل : أراد بذلك الطعام ، واللام في : " لِمَا أَنزَلْتَ " معناها : إلى . قال الأخفش : يقال : هو فقير له ، وإليه .
قال ابن سعدي عند قوله: " ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ " مستريحا لذلك الظلال بعد التعب.
" فَقَالَ }"في تلك الحالة، مسترزقا ربه " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي.
وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا .
وجاء في كتاب ، سورة القصص دراسة تحليلية
ان الدعاء هو : طلب من هو أدنى ممن هو أعلى بألفاظ بليغة ، مثل قوله تعالى
" فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " ، فهذا النص دعاء علمنا الله عز وجل أن ندعوه به على لسان موسى (- عليه السلام -)
وقال : ويدل توجه موسى عليه السلام في كل مواقفه لله سبحانه وتعالى بالدعاء في أكثر من آية : " رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي " "، " رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ " "، " رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " ، " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " " عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ " ، وبسياق هذه الآيات الثلاث الغير متوالية يدل من خلال تحليلها على أن شخصية موسى ( - عليه السلام - ) كانت شخصية مطمئنة راضية مرضية ، لا تهتم بشيء قبل البعثة ولا بعدها ما دامت تعرف الله عزَّ وجلَّ حق معرفته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق